2011/12/25

الذهـب

يستخدم المتحدثون بلغة الإشارة اليد في التعبير عن الكلمات, وعلامة الذهب أو اللون الذهبي تكون بالصاق السبابة بالابهام وتحليق الثلاث أصابع الباقية إلى أسفل ثم تحريك اليد افقياً, ولكن المدهش في الموضوع أن نفس الحركة تستخدم لوصف شخص "ذكي" ولكن بتحليق اليد بجانب الرأس, بتعبير آخر "عقله ذهب"
كما هو موضح في الرابط هـنا


بين الذهب والذهب الأسود

ذهبت إلى قاعة السينما لأشاهد فيلم الذهب الأسود, لا أحمل معي سوى الماء حتى لاأصاب بحالة جفاف من المناظر الصحراوية أثناء الفيلم J .. حسناً ,, كنت أريد الاندماج ودراسة الفيلم بدون خرخشة الفشار التي تسبب الكثير من الأزمات الصحية والنفسية.


بدأ الفيلم برجل اضطر لتسليم ولديه لرجل جشع, يبدو أحد الولدين شهماً والآخر قد تعصف به الريح ويطير لخفته, كما أنه يضع نظارات للقراءة.

نشأ الولدين في كنف الرجل الجشع, وكان واضحاً تفوق الولد الأكبر على أخيه الأصغر في نظر المجتمع الذكوري, فهو يجيد القتال ويحب القنص. وهذا مايحدث دائماً, فالمجتمع يقسم أفراده حسب مقاييس يضعها, متجاهلاً أي مميزات أخرى قد تكون مختلفة في أفراد آخرين, وكأن النجاح أو الرجولة أو التميز يقتصر على أمور معينة فقط.
لفت انتباهي ذو النظارات وهدوءه منذ أول ظهور له على الشاشة.. لابد أن له قصة ما.. كأن يكون "عقله ذهب".

اعجبتني مصداقية طرح الأحداث ومحاكاة عقلية العربي في القرن العشرين. كالتمسك بأقوال الآباء, والولاء لمن يعطي أكثر, وتفسير الدين والقرآن بعقلية المجتمع وثقافته, الرق والعبيد, المهدي المهدي هههههههه..  الصد عن النساء بكامل الجسد كما لو أنهم سيصدون "ظربة فاول" ههههه ... الخ وغيرها من الأمور المضحكة المبكية.
أعجبني إظهار دور المرأة في قرارات المجتمع والتأثير على الرجال J بطريقةٍ ما.
وأكثر ما أعجبني أن الفيلم أشار أكثر من مرة أن القراءة تبني العقول والأفراد قبل أن تبني الحضارات وأن العلم يرتبط ارتباط وثيق بالقائد المطلع الذي يعرف كيف يتصرف. فالمال والجاه دون النظرة الاستراتيجية لاينفع, ولا التخطيط ووضوح الهدف ينفع بدون مال وجاه.
كما لم يكن الكل جاهلاً متمسكاً بالماضي بل كان هناك الشاب الذي يرى الأمور بطريقة مختلفة دون أن يمس أصول دينه فياخذ من الخير ويترك ماهو شر, يقتدي بالأنبياء, ويأخذ من الآباء مايبني المستقبل.


دروس ذهبية

- هل الهادئ داهية؟ يقال أن "الساكت ينخاف منه" بطريقة إيجابية أحياناً, نعم. فالهادئ ينصت ويراقب ويطبخ أفعاله على نار هادئة. لا تستخفوا بأصحاب النظارات المدمنين على القراءة. فأنتم لاتعلمون مستقبلهم. وفعلاً لم يخب ظني.. فالقارئ صاحب النظارات أصبح قائدا بعقله وحنكته وصبره.

- بعد أن استلم العرش وأحكم سيطرته على "قلوب وعقول" العشائر قام بأمر رائع. فلم يقتل الجشع بل أوكله في التجارة, المكان الذي يناسبه. وكأنه يقول إن لم تكن تحب المال فلا تدخل في التجارة.
كما أن الحب والرابطة الدموية أقوى من المال.

- "لست المهدي.. قل لهم أنا لست المهدي" عبارة قالها بعد أن قام من الموت "كما يعتقدون". بغض النظر عن ما يعتبره البعض ويعتقده آخرين.. لكن فعلاً الكل ينتظره. السؤال الذي يجب أن يوجه لكل فردٍ منا, ماذا لو كان بداخل كل واحد منا مهدي؟ كيف نصنع مهدي بداخلنا؟ أي نصنع صفاته فينا.

- لاتسمح لأفكار الماضي أن تسيطر على حاضرك فالمستقبل يحتاج لحاضر حر طليق. استفد من أخطاء الماضي وانشر المعرفة والعلم لبناء حاضر جديد.
"العلم" ليس مجالسة الكتب والمكوث عند العلماء وحسب, بل السفر وتجربة الجديد والاحتكاك بالآخرين وتقبل المجهول دون التخلي عن مانؤمن به من قيم.


النهاية, كانت بداية لزمن جديد.. نعم تأخرنا عن الحضارات الأخرى قروناً, لكن كما قال بطل الفيلم "نرى ماعندهم ونعلمهم مما عندنا" والآن بوادر الحضارة واضحة.

فماذا ستفعل بالذهب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق