2012/06/22

مسلم ولكن ~ ولكن مسلم

عندما يؤمن الإنسان يرتقي، وعندما يخطئ الإنسان لا يشوه إلا نفسه. فيبقى الإسلام راقياً متفرداً، لارتباطه برسالته وقيمه، لاينفك عنها ولا يذبل ويتقاعس عن التذكير بها مهما طال به الزمن أو قصر وكذلك الإنسان المسلم المتمسك بتلك القيم، يتوافق معها وينسجها في حياته.


الكثير من المواعظ والدروس تزيد من افتخارنا بالإسلام، وأن المسلمين هم أولياء الله وخاصته وأول من سيدخل الجنة، ووو.. لكنه في الحقيقة بلا فائدة إن كان إنساناً مسلماً، ولكن! لايحمل من الإسلام إلا كلمة تلاقاها وورثها عرفاً، كما يحمل الحمار كتباً قيمة كثيرة على ظهره قد يتكلم عنها ويشير إليها دون أن يفقه حقيقةً لماذا هي هناك، مستلقاة على ظهره.. أتساءل؟؟ هل تذكره أكثر بأنه مجرد حمار يحمل الأشياء؟ أم أن صاحب الحمار قد يأخذ أحد الكتب ليضرب به رأسه ليفتح عين عقله؟ أم أن الكتب تفقه أكثر من حاملها وتستغله ليتعلم منها ومنه الآخرين.. أمر مؤسف.. :/


"إقرأ" كلمة أولى في الإسلام، وكثيرة هي الكلمات، وقليل من يأخذها ويستوعبها بشمولية الكون واتساع رسالة الإنسان.. فالقراءة قد تكون تأمل وتفكير.. قد تكون قراءة كتاب أو قراءة دليل أو موقف أو قراءة مساحات الأرض وفضاءاتها وجمال السماء.
الإسلام حطم قيود الخوف من المجهول بهذه الكلمة، ومازال بعض المسلمين، إن لم يكن الأغلبية منهم يخاف ويرتعب إن قلت له فكر أكثر واقرأ، وكأنك تأمره بارتكاب معصية.. وسّع مدارك عقلك وانتبه للحياة، فالحياة كلها محل قراءة لتتعلم أكثر.

الاسبوع الماضي رزقني الله تعالى زيارة الحبيب عليه الصلاة والسلام، ومكه المكرمة بعد غياب أكثر من خمس سنوات.. خلال هذه الفترة تغيرت ملامح عقلي بشكل كبير، فعندما ذهبت هناك كان استقبال كل شيء مختلفاً.


كنت أراقب وأستمتع باختلاف المسلمين وثقافاتهم، ألتمس الأخلاق النبوية فيمن حولي بغض النظر عن هيئته ومن يكون. كان هناك مسلم، ولكن يشبه صاحبنا الحمار.. "لن أقول أكرمكم الله - لأن ذلك ليس من الإسلام في شيء، كما أن الحمار يحمل صفات إيجابية أكثر منها سلبية :))".
عندها تتساءل.. هل الإسلام مظهر وشكل فقط؟ أم قيم وأخلاق ومبادئ وشمول؟ ومن يمتلك الحق بتوجيه الحكم على الناس ونواياهم؟
لماذا لا يعيش المسلم بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام ويستحضر مواقفه وهو يعيش بجانبه.. كيف كان يتصرف مع الآخرين باختلاف ثقافاتهم وشخصياتهم.. كيف كانت ثيابه ومظهره متواضعاً لا يلفت الانتباه؟ وكيف يراعي فقه الأولويات واتساع الحدود في الاسلام وكيف وكيف. لماذا يقسوا المسؤولون عن الحرم على الزائرين ويحترمون من هم على شاكلتهم؟ لماذا؟؟ تناقضات وجاهلية استغربت استماراها بالرغم من تعرضهم للكثير من المسلمين من كل مكان..


كما يوجد المسلم الذي تراه لامس أخلاق نبيه بالرغم من بعده المكاني! لماذا نرى المسلمين الآسيويين أكثر تنظيماً من العرب؟ وتلتمس الابتسامات في وجوه الآخرين وعفوية البعض في العطاء والسلام. لايهمه إلا أن يكون في خيرٍ صافيَ القلب لينشر هذا الشعور لمن حوله. 
هناك من يمتلك حساسية عالية لجمال الخلق النبوي، فتراه لايفعل إلا حسناً ويتجاوز عن السيء وينصح بلطف، يتسامى بشكره وخلقه مع الآخرين ومع المكان الذي فيه. لماذا؟

هناك إجابة واحدة ~ القرب المكاني لايكفي دون القرب الروحي.. لايمكن أن تكون مسلماً متناقضاً تتشاكس مع نفسك وقيمك.. كما قال الدكتور أحمد خيري العمري في تفسيره للآية "ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون" الزمر، فلكي تكون مسلماً.. فقط عليك أن لا تتعارض مع قيم الإسلام مهما كانت قيم العرف والمجتمع طاغية.. عندها ستكون في سلام مع نفسك مع الآخرين.

لذلك كن مسلماً ~

2012/06/13

صيفيات ~ 2


فتحت باب البيت فجراً كعادتي في يوم الجمعة، استعداداً لرياضة المشي.. توقفت مستنشقةً رائحة الفجر.. بل رائحة الصيف.. إنها مليئة بالنشاط والدفء.. أحببت الصيف، ومازال يفاجئني بلحظاته الجميلة وتفاصيله المدهشة.
- استقبلتني خالتي عند الباب وهي متذمرة.
خالتي: هند..! في المرة القادمة سنخرج بعد الصلاة مباشرةً فالجو أصبح لا يطاق.
هند: ماذا!!؟ لا، الجو جميل ونسمة الهواء الدافئة لطيفة جداً.
خالتي: إنها لطيفة بالنسبة لك، لن أتعذب في هذا الجو فقط لأنك لا تريدين المشي في الظلام.
هند: سنرى إن كان الجو في الحديقة لا يطاق، فهناك الشجر والماء والعصافير، لن تشعرين بحرارة الجو بتاتاً :))

 هكذا نبدأ لحظات الصيف الأولى .. نستقبله بنسماتٍ دافئة، تحتضن أرواحنا لتخبرنا أن السعادة، والحب، والأمل، والنشاط، والمستقبل جزء منها.. لا تستقبل هذه النسمات بمزاجٍ مغلق ~ ففي الصيف وعند ارتفاع درجة الحرارة يبدأ الهذيان الصيفي، فتبدا جزيئات المخ بالدوران العكسي استعداداً للنشاط والحرية والمرح والكثير الكثير من الجنون.

في الصيف، نستعيد شعورنا بذواتنا أكثر، خاصةً في فترات الظهيرة التي تجعلك تخلو مع من تحب ومع نفسك، تمارس نشاطاتك المفضلة، كالقراءة والترتيب واللعب ومتابعة الشاشات والطبخ وغيرها... كما يحلو اللقاء مع الأحبة في جلساتٍ خفيفة.


وقد تتناول قطعة دائرية من الحلوى بنكهة الكولا أو الكرز.. وتعطي بعضاً منها للأطفال في حديقة المنزل، وهم يلعبون بالطين البارد.. فتقع الحلوى من أفواههم الضاحكة، وتقررون جميعاً أن تذهبوا لغسل الحلوى بالماء المثلج، لتشكل مزيجاً رائعاً من حلوى الصيف.. وما أجمل أن يكون التهام الآيسكريم طقساً اجتماعياً وسبباً لتجمع العائلة.


في الصيف، يصبح السهر عادةً لدى الكثير.. ففي المساء تبدأ الفتيات بوضع خطة لقضاء الليلة في أجواء هادئة، فوضوية في مضمونها، لا شيء يمكن أن يوقف الضحكات الخافتة المزعجة إلا حضور مهيب من أحد الغارقين في النوم، مع نظرة التهديد القاتلة.
لسهر الليل وإبداعه المخيف قصة طويلة.. فما يحدث من إبداع في تلك اللحظات لا يتكرر حتى في قصص الناجحين العظماء.. كأن لطافة الليل في الصيف تُجَهِز مسرحاً حُراً يحتوي طاقة الإبداع المكبوتة، يُحررها ويجمع بينها لتتكامل في إخراجٍ متميز، ينتهي بأجساد متهالكة استسلمت للنوم.


في الصيف، لاوجود لقطرات المطر، لكن الماء الذي يعطر الأعشاب والأشجار، يلهم جسد الطبيعة لتعطي اكثر من ثمارها.. ثمار الصيف غنية ولذيذة، قوية في حضور مذاقها عند أول قضمه.. في الصيف تغسل جدتي يديها الناعمتين بالماء لتلتقط التمر والرُّطَب وتمسح ما علق به من تراب.. كم يكون طعمهُ لذيذاً من بين أناملها. وما أجمل جلسات الشاي وحديثها الممتع مع أبي.




في الصيف يحلو السفر والتجوال.. ويتجمّل البحر لاستقبال أشعة الشمس في الصباح.. وتحلو ليالي السمر فوق الرمال الدافئة، هناك تصبح القصص أجمل ونحن نلتحف السماء الصافية ونتخذ من سواعدنا وسائدَ وثيرة..
ولقصص الصيف دائماً بقية..